Untitled Document
  • chef cook slide show
  • chef cook slide show
  • chef cook slide show
  • chef cook slide show
  • طوبى للمخلِصين

  • الشيخ محمد صالح الفرفور






لما تجّرد الإمام الغزالي رضي الله عنه عن الدنيا , وزهد بها , وروَّض  نفسه على الحقائق , وحارب في نفسه الظهور , وأولع بالخفاء لبس زيّ العامة ودخل دمشق , وجلس على باب المدرسة السُمسياطيّة, يطلب الإذن بالدخول, فإذن له فقير من الفقراء, فابتدأ يكنس ميضأة المدرسة ويخدمها بنفسه.

ثم دخل جامع بني أمية وجلس فيه فرأى جماعة جالسين وقروياّ يستفتيهم, فلم يردّوا عليه جواباً, والغزالي ينظر, وقد علا الرجلَ الغٌمّ والهم, لأنه لم يجد من يرد عليه ويشفي غليله فيما سأل .... فلما رأى الغزالي أن القروي لم يظفر بجواب, وقد حار في أمره رأى من الواجب عليه أن يُفتيه, فأفتاه فيما سأل, ولكن القروي نظر إلى بذاذة ثياب الغزالي فاستخفُ به قائلاً :

إن كان المُفتون  الأجلّاء لم يقدروا أن يُفتوني فكيف يفتيني فقيرٌ عامي مخلولق الثياب ؟ ...

غير أن المُفتين كانوا يرون ويسمعون ما يقوله الغزالي, فسألوا القروي لما فرغ : ماذا أجابك هذا الفقير العامي من العلم؟ ..

فأخبرهم بما أفتاه , فعظُم في أعينهم وعلموا أنه من كبار العلماء ووقع في قلوبهم أنَّه حجة الإسلام الإمام الغزالي , فالتفُّوا حوله وسألوه أن يعقد لهم مجلساً يتنفعون به, فوعدهم يوماً غير معلوم مستثنياً بالمشيئة, وسافر من ليلته هرباً من السُّمعة والصّيت, ثم غادر دمشق كلها, وما مرّ ببلد إلا وسمع بأذنيه علماءها يقولون : ( قال الغزالي رضي الله عنه كذا ... ) فخشي على نفسه أن يدخل عليه فيها بارق العُجْب والخٌيلَاء, فتحبط أعماله وينال منه الشيطان غايته, لأَنَّ العُجب والغرورَ يحبطان أعمالَ العلماء والعُّباد ويجعلانها هباءً منثوراً .

وصفوة القول أن الإخلاص يصفّي جوهر صاحبه, ويتركُ نفسَه زكيةً مطمئنة لا يعتريها شَغفٌ بجاهٍ ولا مال, فتزداد صفاء على صفاءً مادام جوهرُ الإخلاص يضيء فيها, فطوبى للمُخلصين ... طوبى للمُخلصين ( 1)  ..

-----------------------------

( 1 ) من كتاب نسمات الخلود للشيخ محمد صالح الفرفور ص / 82

All right reserved by ALFATIH 2014