Untitled Document
  • chef cook slide show
  • chef cook slide show
  • chef cook slide show
  • chef cook slide show
  • معجم أخطاء الكتاب للزعبلاوي

  • د. محمد حسان الطيان






في حلة قشيبة وطبعة أنيقة مهيبة صدر عن دار الثقافة والتراث بدمشق معجم أخطاء الكتاب للغوي القدير الأستاذ صلاح الدين زعبلاوي رحمه الله تعالى.
والكتاب درة نفيسة طالما انتظرها عشاق العربية، فقد أمضى المؤلف فيه عمره يبحث وينقب ويصنف ويؤلف إلى أن أدركته المنية دون أن تكتحل عيناه برؤيته، فأمسك الراية بعده أستاذان جليلان من أعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق هما: الأستاذ الدكتور محمد مكي الحسني والأستاذ مروان البواب استفرغا الجهد وبذلا الوسع في إعداد المعجم للطباعة وتقديمه لقراء العربية.
وقد اجتمع لهذا المعجم من وجوه الإتقان والجودة ما يرقى به إلى مصاف المعجمات المعتمدة في مكتبتنا العربية.
فأول هذه الوجوه مؤلفه وهو الأستاذ العلامة صلاح الدين الزعبلاوي الباحث اللغوي القدير الذي عاش نحوا من مئة عام سلخ معظمها في رحاب العربية، ناسكًا في محرابها، عاشقًا لجمالها، هائمًا في أسرارها، محققًا لأصولها، مدققًا لأحكامها، منقرًا لنصوصها، متتبعًا لعللها وفوائدها، حتى أوفى على الغاية وقد شهد له كل من عرفه أو قرأ له من أرباب اللغة وسدنة العربية بالعلم الجم وطول الباع وعلو الكعب والمكنة من هذه اللغة الشريفة.
وحسبك من ذلك أن العلامة الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر ونائب رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة كتب سنة 1940 عن أول مؤلف ظهر للزعبلاوي وهو كتاب «أخطاؤنا في الصحف والدواوين» الذي يعد نواة هذا المعجم: «أما الطريقة التي اختارها ليسير عليها في بحثه فتتلخص في عرضه الموضوع على ما هو عليه، وتبين موضع الخطأ وتحري وجه الصواب، مع الاستعانة بالنصوص والموازنة بينها وترجيح الأرجح وتقديم الأصح، على قدر ما سمحت به النصوص وأدى إليه اجتهاده، ولم يتأثر فيها تناوله من المسائل بآراء من سبقه من الأفراد والجماعات والهيئات، بل أراد أن يشاركهم في التمحيص... وأضاف من الأدلة والحجج ما لم يتهيأ من قبل من نصوص وقواعد لم يسبق أن عثر عليها حين البحث...» إلى أن قال: «ونهجه أليق بالعلماء وأجدر بطلاب الحقيقة من رجالها الأمناء. ولا شك أن اللغة العربية تزداد بهذا الكتاب وأمثاله تمحيصًا وتهذيبًا، وتخلص مما عسى أن يعلق بها من شوائب لتقرب من الكمال وتدنو من الغاية» وتتابع العلماء بعد الشيخ محمد الخضر حسين يقرضون هذا الكتاب ويثنون على صاحبه وكان منهم الأستاذ أحمد أمين الأديب المعروف ورئيس تحرير مجلة الثقافة، والأستاذ أحمد حسن الزيات رئيس تحرير مجلة الرسالة المشهورة، والدكتور صلاح الدين المنجد أول مدير لمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، والأستاذ محمد المبارك عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق، وأستاذنا الدكتور مازن المبارك عضو مجمع اللغة العربية بدمشق. ثم شهد له شيخ العراق وبهجتها العلامة محمد بهجة الأثري فكتب يقول في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق: «قرأت في الجزء الأول من المجلد الخامس والخمسين من مجلة مجمع اللغة العربية ـ كتب الله لها النمو والدوام ـ مبحث التضمين للباحث اللغوي المدقق الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي، وهذا واحد من مباحث لغوية بارعة شرعت هذه المجلة الزهراء تنشرها له في المدة الأخيرة وهي شاهدة لصاحبها بفقهه في اللغة العربية، وبفضله وحسن تأتيه في أعمال الفكر، والروية فيما تناوله من شؤونها، باحثًا متقصيًّا وناقدًا متثبتًا».
وثاني هذه الوجوه أن هذا المعجم حصيلة جهد طويل للمؤلف وثمرة عمر مديد قضاه في البحث اللغوي، وهو جماع ثلاثة كتب صنع المؤلف أولها ـ وهو كتاب «أخطاؤنا في الصحف والدواوين» ـ ولمّا يجاوز الرابعة والعشرين من عمره، وصنع ثانيها ـ وهو كتاب لغة العرب ـ وقد ذرف على السبعين من عمره، وضم إليهما ثالثها وهو قصاصات لا يقل حجمها عن حجم صاحبيها وقد ناهز التسعين من عمره، ثم حاول أن يصنع من كل ذلك معجمًا متكاملاً فحالت منيته دون ذلك.
وثالث هذه الوجوه أن المعجم حظي بعناية أستاذين جليلين من أعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق لهما قدم راسخة في مجال البحث والتأليف والتصنيف في الأخطاء اللغوية الشائعة، وهما الأستاذ الدكتور محمد مكي الحسني والأستاذ مروان البواب اللذان حوّلا الحلم إلى حقيقة والأماني إلى وقائع، إذ توفرا على هذا المعجم وهيئا له كل ما كان يتطلع إليه مؤلفه من التصحيح والتدقيق، والمقابلة والتخريج، والإعداد والتنسيق، وصنع الفهارس الفنية المتنوعة والمراجعة المتأنية، فلم يدخرا وسعًا ولم يبخلا بوقت في خدمته والقيام بحقه حبًّا بهذه اللغة الشريفة وتقديرًا لمؤلفه الراحل عليه رحمات المولى سبحانه. ولا بد لي أن أنوه هنا بالفهارس الفنية التي صنعها الأستاذ البواب فقد قرّبت بعيدًا، وجمعت متفرقاً، وأعطت القارئ مفتاحًا لكل ما يمكن أن يطلبه من هذا المعجم، ولا سيما موضوعه الرئيسي وهو الأخطاء الشائعة، إذ خصها المفهرس بفهرس جامع أورد فيه جذر الكلمة، والخطأ الشائع فيها، والصواب، ورقم الفقرة التي ورد فيها في الكتاب، وبهذا يكون قد جعل مادة الكتاب كلها على طرف الثمام من كل قارئ، إذ يشتمل هذا الفهرس على خلاصة ما ورد في المعجم، ويمكن للقارئ المتعجل أن يصل من خلاله إلى طلبته دون أن يبحث في المعجم إذا أراد نتيجة البحث لا ما وراءه من أدلة وعلل.
ورابع هذه الوجوه الشكل المعجب الذي خرج به هذا المعجم، إذ اضطلعت بإخراجه ونشره دار الثقافة والتراث بدمشق، وهي دار علمية غير ربحية فيما أعلم تعنى بنشر الكتب الجادة وتشترط في منشوراتها التحقيق العلمي المدقق غير عابئة بما يقع عليها من نفقات في سبيل ذلك، وكان من أبرز ما أَخرجت حاشية ابن عابدين في خمسة وعشرين جزءًا بتحقيق الأستاذ الدكتور حسام الدين الفرفور وأصحابه.
وخامس هذه الوجوه أن المؤلف ـ إلى عنايته بتبيين أخطاء الكتاب وعثراتهم ـ معني أيضًا ببيان عثرات بعض اللغويين فيما تسرعوا إليه من التخطئة بغير وجه حق، فضيقوا واسعًا، وحجروا على الناس أمر استعمال اللغة، وصاروا إلى ما وصف به القرضاوي أمثالهم من علماء الدين غير المتمكنين حيث يقول: «وآفة كثير ممن اشتغلوا بعلم الدين أنهم طفوا على السطح ولم ينزلوا إلى الأعماق لأنهم لم يؤهلوا للسباحة فيها والغوص في قرارها وألْهتهم الفروع عن الأصول، وقد أدت بهم هذه الحرفية الظاهرة إلى تحجير ما وسع الله وتعسير ما يسر الله وتجميد ما من شأنه أن يتضوع وتقييد ما من شأنه أن يتجدد ويتحرر».
فمن ذلك رده على من عاب على المذيعين قولهم: «هذا وقد أكدت المصادر صِدقَ الخبر» حيث بيّن صواب هذه العبارة مستشهدًا لها بكلام البلغاء وخاتِمًا كلامه بقوله تعليقًا على الآية: «ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم»: «فموضع ذلك هنا أشبه ما يكون بما نحن فيه» وأنا أقول مؤيِّدًا ما ذهب إليه الأستاذ الزعبلاوي: وأشبَهُ من هذا كله بما نحن فيه قوله تعالى في سورة ص55 «هذا وأن للطاغين لشر مآب».
ومن ذلك ـ والأمثلة كثيرة ـ تجويزه جمع نشاط على أنشطة خلافًا لمن قال بتخطئتها. وتجويزه تعدية الفعل وصل بنفسه معتدًا بما ورد في القاموس المحيط من قول الفيروز آبادي: «وصل الشيء وإلى الشيء وصولاً: بلغة وانتهى إليه» وتجويزه استعمال فعل اعتبر بمعنى اعتد.
والزعبلاوي يعتمد في هذا كله على منهج أصيل في معالجة مسائل الخطأ اللغوي بينه الأستاذ الدكتور محمد مكي الحسني في تقديمه للمعجم وذلك بإيراد مقولات عدة له تنخلها من كلامه في هذا المعجم فمن ذلك قوله: «ليس يحسن أن نسلك نهجًا نحظر به جائزًا وننكر مستقيمًا وإلا حار الكُتَّاب في أمرهم ماذا يأخذون وماذا يدعون بل التبست عليهم وجوه القول واختلطت طرائقه».
ومن ذلك قوله: «لا يزال النقاد يعيبون كثيرًا من الكلام الصحيح بغير دليل وفي ذلك مجلبة لارتياب الكتاب وترددهم واختلاط الأمر عليهم، لا يدرون أي قول يأخذون».
ومن ذلك قوله: «لا يحسن بالناقد أن يقتصر في التخطئة والتصويب على اعتماد نصوص المعاجم، بل ينبغي أن يأخذ بنصيب ما جاء في كتب اللغة والتفسير والأدب، وحظ مما جاء في دواوين الشعر وصحف الرسائل ومصنفات القوم، إذ لا وجه لجمود المعنى في اللفظ، كما يبدو ذلك حينًا في كثير من النصوص المعجمية، ومن ثم كان تعويل كثير من المحدثين على ظاهر النص، والاستغناء به عن سواه، مخالفًا لأصول ارتقاء اللغة، وتحول معانيها، وتدرج دلالاتها، واختلاف طرائق تعبيرها بتحول العصور وتعاقب الأجيال».
ولا ريب عندي أن سعة علم الأستاذ الزعبلاوي وتنوع موارده ومصادره أتاح له متسعًا من القول، فصدقت فيه المقولة المأثورة: «من يعلم كثيرًا يغفر كثيرًا» وصدقت في أولئك المحجرين غير المتمكنين مقولة أبي نواس:
فقل لمن يدّعي في العلم معرفة عرفت شيئًا وغابت عنك أشياء
بقي أن أشير إلى أن المعجم صدر بمقدمتين جليلتين أفدت منهما أيما فائدة في كتابة هذا العرض، كتب الأولى نجل المؤلف د. رافع صلاح الدين الزعبلاوي المدرس في جامعة الكويت، وقد ترجم فيها لوالده مبينًا منزلته العلمية وشهادات أهل العربية فيه. وموضحًا مراحل تأليف المعجم وما كان يصبو إليه المؤلف من تأليفه.
وكتب الثانية صديق المؤلف الأستاذ الدكتور محمد مكي الحسني عضو مجمع اللغة العربية بدمشق، وقد بين فيها منهج المؤلف في معالجة مسائل الخطأ اللغوي، والخطة التي اتبعها والأستاذ مروان البواب في إعداد المعجم للطباعة وتدقيق مواده ومراجعتها ووجوه العناية فيها.
ـــــــــــــــــــــــ
1- رئيس مقررات اللغة العربية في الجامعة العربية المفتوحة بالكويت، وعضو مجمع اللغة العربية   بدمشق.
نشر هذا المقال في جريدة الرأي العام الكويتية الخميس 9/11/

All right reserved by ALFATIH 2014